فصل: وقعة نهاوند وما كان بعدها من الفتوحات.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.وقعة نهاوند وما كان بعدها من الفتوحات.

لما فتحت الأهواز ويزدجرد بمرو كاتبوه واستجدوه فبعث إلى الملوك ما بين الباب والسند وخراسان وحلوان يستمدهم فأجابوه واجتمعوا إلى نهاوند وعلى الفرس الفريرزان في مائة وخمسين ألف مقاتل وكان سعد بن أبي وقاص قد ألب أقوام عليه من عسكره وشكوا إلى عمر فبعث محمد بن مسلمة في الكشف عن أمره فلم يسمع إلا خيرا سوى مقالة من بني عبس فاستقدمه محمد إلى عمر وخبره الخبر وقال: كيف تصلي يا سعد؟ قال: أطيل الأولتين وأحذف الأخيرتين قال: هكذا الظن بك ثم قال: من خليفتك على الكوفة؟ قال: عبد الله بن عبد الله بن عتبان فأقره وشافهه بخبر الأعاجم وأشار بالانسياح ليكون أهيب على العدو فجمع عمر الناس واستشارهم بالمسير بنفسه فمن موافق ومخالف إلى أن اتفق رأيهم على أن يبعث الجنود ويقيم ردءا لهم وكان ذلك رأي علي وعثمان وطلحة وغيرهم فولى على حربهم النعمان بن مقرن المزني وكان على جند الكوفة بعد انصرافهم من حصار السوس وأمره أن يصير إلى ماء لتجتمع الجيوش عليه ويسير بهم إلى الفيرزان ومن معه وكتب إلى عبد الله بن عبد الله بن عتبان أن يستنفر الناس مع النعمان فبعثهم مع حذيفة بن اليمان ومعه نعيم بن مقرن وكتب إلى المقترب وحرملة وزر الذين كانوا بالأهواز وفتحوا السوس وجنديسابور أن يقيموا بتخوم أصبهان وفارس ويقطعوا المدد عن أهل نهاوند.
واجتمع الناس على النعمان وفيهم حذيفة وجرير والمغيرة وابن عمر وأمثالهم وأرسل النعمان طليحة وعمرو بن معد يكرب طليعة ورجع عمرو من طريقه وانتهى طليحة إلى نهاوند ونفض الطرق فلم يلق بها أحدا وأخبر الناس فرحل النعمان وعبى المسلمين ثلاثين ألفا وجعل على مقدمته نعيم بن مقرن وعلى مجنبتيه حذيفة بن اليمان وسويد بن مقرن وعلى المجرد القعقاع وعلى الساقة مجاشع بن مسعود ومع الفيرزان كتائبه وعلى مجنبتيه الزردق وبهمن جادويه مكان ذي الحاجب وقد توافى إليهم بنهاوند كل من غاب من القادسية من أبطالهم.
فلما تراءى الجمعان كبر المسلمون وحطت العرب الأثقال وتبادر أشراف الكوفة إلى فسطاط النعمان فبنوه حذيفة بن اليمان والمغيرة بن شعبة وعقبة بن عمرو وجرير بن عبد الله وحنظلة الكاتب وبشير بن الخصاصية والأشعث بن قيس ووائل بن حجر وسعيد بن قيس الهمداني ثم تزاحفوا للقتال يوم الأربعاء والخميس والحرب سجال ثم أحجروهم في خنادقهم يوم الجمعة وحاصروهم أياما وسئم المسلمون إعتصامهم بالخنادق وتشاوروا وأشار طليحة باستخراجهم للمناجزة بالاستطراد فناشبهم القعقاع فبرزوا إليه كأنهم حبال حديد قد تواثقوا أن لا يفروا وألقوا حسك الحديد خلفهم لئلا ينهزموا فلما بارزوا استطرد لهم حتى فارقوا الخنادق وقد ثبت لهم المسلمون ونزل الصبر ثم وقف النعمان على الكتائب وحرض المسلمين ودعا لنفسه بالشهادة وقال: إذا كبرت الثالثة فاحملوا ثم كبر وحمل عند الزوال وتجاول الناس ساعة وركدت الحرب ثم انفض الأعاجم وانهزموا وقتلوا ما بين الظهر والعتمة حتى سالت أرض المعركة دما تزلق فيه المشاة حتى زلق فيه النعمان وصرع وقيل بل أصابه سهم فسجاه أخوه نعيم بثوب وتناول الراية حذيفة بعهده وتواصوا بكتمان موته وذهب الأعاجم ليلا وعميت عليهم المذاهب وعقرهم حسك الحديد ووقعوا في اللهب الذي أعدوه في عسكرهم فمات منهم اكثر من مائة ألف منها نحو ثلاثين ألفا في المعركة وهرب الفيرزان بعد أن صرع إلى همذان واتبعه نعيم بن مقرن فأدركه بالثنية دونها وقد سدتها الأحمال وترجل وصعد في الجبل وكان نعيم قد قدم القعقاع أمامه فاعترضه وقتله المسلمون على الثنية ودخل الفل همذان وبها خسرشنوم فنزل المسلمون عليها مع نعيم والقعقاع ودخل المسلمون نهاوند يوم الوقعة وغنموا ما فيها وجمعوه إلى صاحب الأقباض السائب بن الأقرع.
وولي على أجند حذيفة بعهد النعمان إليه ثم جاء الهربذ صاحب بيت النار إلى حذيفة فأمنه وأخرج له سفطين مملوأين جوهرا نفيسا كانا من دخائر كسرى أودعهما عنده البخرجان فنقلهما المسلمون وبعث الخمس مع السائب إلى عمر وأخبره بالواقعة وبالفتح بمن استشهد فبكى وبالسفطين فقال ضعهما في بيت المال وألحق بجندك قال السائب: ثم لحقني رسوله بالكوفة فردني إليه فلما رآني قال: ما لي وللسائب ما هو إلا أن نمت الليلة التي خرجت فيها فباتت الملائكة تسجني إلى السفطين يشعلان نارا يتوعدوني بالكي إن لم أقسمهما فخذهما عني وبعهما في أرزاق المسلمين فبعتهما بالكوفة من عمرو بن حريث المخزومي بألفي ألف درهم وباعهما عمرو بأرض الأعاجم بضعفهما فكان له بالكوفة مال وكان سهم الفارس بنهاوند ستة آلاف والراجل ألفين ولم يكن للفرس من بعدها إجتماع وكان أبو لؤلؤة قاتل عمر من أهل نهاوند حصل في أسر الروم وأسره الفرس منهم فكان إذا لقي سبي نهاوند بالمدينة يبكي ويقول: أكل عمر كبدي وكان أبو موسى الأشعري قد حضر نهاوند على أهل البصرة فلما انصرف مر بالدينور فحاصرها خمسة أيام ثم صالحوه على الجزية وسار إلى أهل شيروان فصالحوه كذلك وبعث السائب بن الأقرع إلى الصيمرة ففتحها صلحا.
ولما اشتد الحصار بأهل همذان بعث خسرشنوم إلى نعيم والقعقاع في الصلح على قبول الجزية فأجابوه إلى ذلك ثم اقتدى أهل الماهين وهم الملوك الذين جاؤا لنصرة يزدجرد وأهل همذان وبعثوا إلى حذيفة فصالحوه وأمر عمر بالإنسياح في بلاد الأعاجم وعزل عبد الله بن عبد الله بن عتبان عن الكوفة وبعثه في وجه آخر وولى مكانه زياد بن حنظلة حليف بني عبد قصي واستعفى فأعفاه وولى عمار بن ياسر واستدعى ابن مسعود من حمص فبعثه معه معلما لأهل الكوفة وأمدهم بأبي موسى وأمد أهل البصرة مكانه بعبد الله بن عبد الله ثم بعثه إلى أصبهان مكان حذيفة وولى على البصرة عمرو بن سراقة.
ثم انتقض أهل همذان فبعث إلى نعيم بن مقرن فحاصرهم وصار بعد فتحها إلى خراسان وبعث عتبة بن فرقد وبكر بن عبد الله إلى أذربيجان يدخل أحدهما من حلوان والآخر من الموصل ولما وصل عبد الله بن عبد الله بن عتبان إلى أصبهان وكان من الصحابة من وجوه الأنصار حليف بني الحبلى فأمده بأبي موسى وجعل على مجنبتيه عبد الله بن ورقاء الرياحي وعصمة بن عبد الله فسار إلى نهاوند ورجع حذيفة إلى عمله على ما سقت دجلة فسار عبد الله بمن معه ومن تبعه من عند النعمان نحو أصبهان وعلى جندها الأسبيدان وعلى مقدمتة شهريار بن جادويه في جمع عظيم برستاق أصبهان فاقتتلوا وبارز عبد الله بن ورقاء شهريار فقتله وانهزم أهل أصبهان وصالحهم الأسبيدان على ذلك الرستاق ثم ساروا إلى أصبهان وتسمى جي وملكها الفادوسفان فصالحهم على الجزية والخيار بين المقام والذهاب وقال: ولكم أرض من ذهب وقدم أبو موسى على عبد الله من ناحية الأهواز فدخل معه أصبهان وكتبوا إلى عمر بالفتح فكتب إلى عبد الله أن يسير إلى سهيل بن عدي لقتال كرمان فاستخلف على أصبهان السائب بن الأقرع ولحق بسهيل قبل أن يصل كرمان وقد قيل: إن النعمان بن مقرن حضر فتح أصبهان أرسله إليها عمر من المدينة واستجاش له أهل الكوفة فقتل في حرب أصبهان والصحيح أن النعمان قتل بنهاوند وافتتح أبو موسى قم وقاشان ثم ولى عمر على الكوفة سنة إحدى وعشرين المغيرة بن شعبة وعزل عمارا.